فصل: مسألة أخدم عبده رجلا كذا وكذا ثم مرجعه إلى فلان بتلا فجرح العبد رجلا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة حر جرح عبدا فعدا عليه العبد فجرحه والحر البادي:

ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده:
وسئل عن حر جرح عبدا فعدا عليه العبد فجرحه والحر البادي، فقال: يأخذ سيد العبد من الحر قيمة دية الجرح الذي جرح عبده ويخير السيد في جرح الحر الذي جرحه عبده إن ما افتداه وإن شاء أسلمه.
قال محمد بن رشد: قوله يأخذ سيد العبد من الحر قيمة دية الجرح يريد إن كان من الجراح التي فيها الديات مثل الموضحة والمنقلة والمأمومة، فيكون عليه في الموضحة نصف عشر ثمنه وفي المنقلة عشر ونصف عشر ثمنه وفي المأمومة ثلث ثمنه، وفي ما سواه من الجراح ما نقص من قيمته، ثم يخير سيد العبد بين أن يسلمه إلى الحر معيبا أو يفتكه منه بدية جرحه؛ لأنه إنما جرحه وهو مجروح قد استوجب سيده دية جرحه، ولو كان العبد هو البادي لخير سيده بين أن يسلمه إلى الحر وما وجب له في جرحه إياه، وبين أن يفتكه منه بما جنى عليه ويقاصه في ذلك بما وجب له عليه في جرحه لعبده، مثال ذلك أن يقطع العبد يد الحر ثم يجرح الحر العبد موضحة فإن سيد العبد يخير بين أن يسلمه إلى الحر بجنايته عليه ولا يتبعه بما جني على عبده، وبين أن يفتديه بنصف الدية يقاصه منها بما وجب له عليه في جنايته على عبده وذلك نصف عشر ثمنه.

.مسألة مقطوع الأصبعين من أصابعه قطع كف رجل تامة الأصابع:

وقال في رجل مقطوع الأصبعين من أصابعه قطع كف رجل تامة الأصابع مثل تلك اليد: إنه يقطع كفه تلك ويكون عليه عقل أصبعين، فإن قطع أصابع رجل الخمس من مثل تلك الكف قطعت الأصابع التي بقيت في كفه الثلاثة وعقل له أصبعان أيضا، وإن قطعت كفه تلك المنقوصة بالأصابع الباقية وحدها لم يكن له في ذلك كله إلا العقل ولا قود فيه.
قال محمد بن رشد: قوله في مقطوع الأصبعين من أصابعه يقطع كف رجل تامة الأصابع إنه يقطع كفه تلك ويكون عليه عقل أصبعين معناه إن أراد القصاص، فهو على هذه الرواية بالخيار بين أن يقتص ويأخذ عقل الأصبعين الناقصة من المقتص منه، وبين أن يترك القصاص ويأخذ دية هذه كاملة، وقد قيل إنه إنما هو بالخيار بين أن يقتص ولا شيء له، وبين أن يأخذ دية يده كاملة، وهو مذهبه في المدونة وقوله في رسم المكاتب من سماع يحيى بعد هذا، وكذلك إذا نقصت أصابع الجاني أكثر من أصبعين، وأما إذا لم ينقص من أصابعه إلا أصبع واحد فليس للذي جني عليه إلا القصاص لا يكون له أن يستقيد منه ويغرمه عقل أصبعه الناقصة، هذا مذهب ابن القاسم يختلف، ويأتي على مذهب أشهب أنه بالخيار بين أن يستقيد وبين أن يترك القود منه ويأخذ دية يده كاملة، وهو القياس، وسواء كان نقصان ما نقص من أصابعه خلقة أو بأمر من السماء أو بجناية جان عمدا، أو خطأ، وأما إن قطع المقطوع أصبعين أصابع يد رجل الخمس من تلك اليد فإنه يقطع أصابعه الثلاثة الباقية ويأخذ عقل الأصبعين كما قال في هذه الرواية، ولا اختلاف في ذلك، وأما إن كان المجني عليه هو المقطوع بعض أصابعه فإن كان الذي نقص من أصابعه أصبع واحدة فليس له على الذي قطع يده بالأربع الأصابع التي بقيت فيها إلا القصاص وليس عليه أن يغرم شيئا لنقصان أصبعه، هذا مذهب ابن القاسم في رسم المكاتب من سماع يحيى وقوله في المدونة وروايته عن مالك، قال في المبسوطة: وما يحمل ذلك القياس، والقياس في ذلك ما قاله أشهب ألا يكون له القصاص إذا قطعت من يده أصبع واحدة عمدا أو خطأ، قال أشهب: وإنما استحسن على غير قياس إن كان الذي أصيب منه أنملة أو نحوها عمدا أو خطأ أن يكون له القصاص إن أصيب كفه عمدا وإن كان استقاد لتلك الأنملة أو أخذ لها عقلا قال: وإن أصيبت كفه خطأ نقص من الدية قدر الأنملة، وأما إن كان الذي نقص من أصابعه أصبعان فأكثر فلا قصاص له على من قطع كفه بما بقي فيه من الأصابع، وليس له على قاطع إلا عقل ما بقي فيه من الأصابع إلا أن يكون لم يبق في الكف إلا أصبع واحدة، فقيل إنه يكون له مع عقل الأصبع حكومة في الكف، وهو قوله في المدونة، وقال أشهب لا يكون في الكف حكومة ما بقي منها أنملة ويكون لها عقل، واستحسن ذلك سحنون، وهو ظاهر قول ابن القاسم في رسم المكاتب بعد هذا من سماع يحيى، وسواء أيضا كان نقصان ما نقص من أصابعه من خلقة أو من أمر من السماء أو من جناية عمدا أو خطأ، وأما إن أصيبت يده الناقصة أصبع أو أكثر أو أقل خطأ فليس على من أصابها إلا عقل ما بقي من أصابعه ولا اختلاف في ذلك.

.مسألة عبد جرح رجلا ثم أبق:

ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار:
وسئل ابن القاسم عن عبد جرح رجلا ثم أبق، فقال المجروح لسيد العبد إما أن تدفع إلي قيمة جرحي وإما أن تخلي بيني وبين العبد أطلبه، فإن وجدته فهو لي، قال: لا خير فيه، هذا مخاطرة إن وجده غبن صاحبه وإن دفع إليه قيمة الجرح لم يدر لعل العبد قد مات فلا خير فيه، وقد بلغني أن مالكا قاله.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لأن الغرر فيه بين، والواجب في ذلك على قوله أن يرجأ الأمر إلى أن يوجد العبد فيخير سيده بين أن يفتكه أو يسلمه بدية الجرح، واتفاقهم على هذه المسألة يقضي بصحة قول أصبغ فيما اختلفوا فيه من مسألة الرجل يشتري العبد بثمن إلى أجل فيأبق منه ثم يفلس إذ قد قيل: إن البائع بالخيار بين أن يتبع العبد ويطلبه ولا شيء له غيره، وبين أن يحاص بالثمن إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه الثمن، وهو قول ابن القاسم في رسم أوصى من سماع عيسى ومن كتاب المديان والتفليس، وقيل: إنه يخير بين أن يحاص الغرماء وبين أن يطلب العبد فإن وجده وإلا رجع فحاص الغرماء، وقال أصبغ ليس له إلا المحاصة ولا يجوز له أن يتركها ويتبع العبد؛ لأنه دين بدين وخطأ وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب قياسا على هذه المسألة وبالله التوفيق.

.مسألة إذا جنت المدبرة الصغيرة أو المدبر الصغير:

وقال ابن القاسم إذا جنت المدبرة الصغيرة أو المدبر الصغير تركا حتى يقويا على الخدمة فيخدمان إلا أن يشاء سيدهما أن يفتكهما.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في رسم العقول والجبائر من سماع أشهب، وهي بينة لا إشكال فيها وبالله التوفيق.

.مسألة مدبر قتل سيده:

ومن كتاب سلف دينارا:
وقال في مدبر قتل سيده: إنه إن كان قتله عمدا فلا أرى أن يعتق إن استحيي ولا شيئا منه وكان عبدا لهم مملوكا، وإن كان قتله خطأ فإنه يعتق في مال السيد إن حمله الثلث أو ما حمل منه، ويكون عليه من الدية بقدر ما أعتق منه، ولا يدخل شيء منه في رقبته وهو قول مالك.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف فيها، وقد مضت بزيادة في معناها في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الديات وفي رسم استأذن من سماع عيسى أيضا من كتاب المكاتب والله الموفق.

.مسألة يجرح الرجل عمدا فيؤخر حتى يبرأ فيقتص من صاحبه ثم ينفجر جرح الأول فيموت:

ومن كتاب الثمرة:
وقال ابن القاسم في الرجل يجرح الرجل عمدا فيؤخر حتى يبرأ فيقتص من صاحبه ثم ينفجر جرح الأول فيموت، قال ابن القاسم: يقسم أولياؤه أنه مات من جرحه ويقتلون جارحه وإن كان قد اقتص منه ولا يكون له في الجرح شيء.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ إذ ليس الخطأ في القصاص من الجرح بالذي يسقط حق الأولياء فيما يجب لهم من القود بقسامتهم إذ آل الجرح إلى النفس.

.مسألة يجتمع عليه النفر فيقطع يده فلا يدري في الشهود من قطعها:

ومن كتاب البراءة:
قال: وسألته عن الرجل يجتمع عليه النفر فيقطع يده فلا يدري في الشهود من قطعها ويتعلق المقطوعة يده بواحد ويدعي عليه أو لا يدري هو أيضا من قطعها أو يعمدون لقطع يده جميعا عمدا فيقول المقطوعة يده فلان قطعني لواحد منهم إلا أنهم قد بطشوا به جميعا قال: إن كانوا إنما ضربوه ولم يجتمعوا على قطع يده ولم يثبت الشهود من قطعه منهم وادعى ذلك هو قبل رجل منهم حلف واقتص، وإن لم يثبت من فعل ذلك به ولم يثبت الشهود من هو؟ كان على جميعهم الدية، وإن اجتمعوا على قطع يده فأمسكوه لذلك وقطعه واحد منهم قطعوا به جميعا إذا أمسكوه ليقطعه وعرف ذلك منهم، ورواها أصبغ وقال في الذي ضربوه واجتمعوا عليه لغير القطع ذلك الجواب فيه إذا شهدوا أنه كان سليما حين اجتمعوا عليه فانكشف مقطوعا.
قال محمد بن رشد: أما إذا اجتمعوا لقطع يده وتعاونوا على ذلك فإنهم يقطعون به جميعا، وإن كان الذي ولي القطع واحد منهم لا اختلاف في أن الأيدي تقطع باليد كما أن الأنفس تقتل بالأنفس، فقد قال عمر بن الخطاب: لو تمالئ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا، وأما إذا لم يجتمعوا على قطعه ولا قصدوا إلى ذلك ففي قبول دعواه على من ادعى منهم أنه هو الذي قطعه نظر، قد مضى بيانه في رسم الجبائر والأقضية من سماع أشهب فلا وجه لإعادته وبالله التوفيق.

.مسألة الأعور يفقأ عين الصحيح:

ومن كتاب القطعان:
قال عيسى قال ابن القاسم: سألنا مالكا عن الأعور يفقأ عين الصحيح، قال لنا: إن أحب الصحيح أن يقتص اقتص، وإن حلف فله دية عينه خمسمائة دينار، ثم رجع بعد ذلك فقال: إن أحبّ الصحيحُ أن يقتص اقتص، وإن أحب فله دية عين الأعور ألف دينار، قال ابن القاسم: وقوله الآخر أحب إليّ وأحسن ما سمعت في ذلك أن يكون الأعور إذا بقيت عينه مخيرا على الجاني إن شاء فقأ عينه بعينه، وإن شاء أخذ الدية ألف دينار؛ لأنه لا يقتص من عين تشبه عينه؛ لأن عينه كانت بصرَه كله، فلذلك خُيِّر.
وأما إذا فقأ الأعور عين الصحيح فليس للصحيح أن يقتص من عين الأعور؛ لأن العين التي تفقأ خير من عينه، فليس له إلا القصاص إلا أن يصطلحا على أمر فهو ما اصطلحا عليه؛ لأن الله تعالى قال: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] قال ابن القاسم: فإن صالحه على الدية مبهمة فإنما له عليه عقل عينه التي بقيت وذلك خمسمائة دينار، ثم رجع ابن القاسم وأخذ بقول مالك الآخر أن يكون الصحيح أيضا إذا فقأ الأعور عينه مخيرا على الأعور في فقئ عينه بعينه، وأخذه بعينه ألف دينار ثمن عينه التي يترك، وقال قياسا على قول مالك هذا الآخر الذي به أخذ.
فإن فقأ الأعور عيني الصحيح جميعا فإنه إن فقأهما في فور واحد فالصحيح مخير إن شاء فقأ عينه وأخذ منه خمسمائة دينار دية عينه الآخر، وإن شاء ترك عينه وأخذ ألفا وخمسمائة دينار؛ لأن الأعور إذا فقأ عين الصحيح كان الصحيح عليه مخيرا في أن يفقأ عينه أو يأخذ عقل العين التي يترك له، وإن فقأهما في غير فور واحد، فقأهما في أيام مختلفة أو مجالس نظر، فإن كان التي فقأ أولا هي اليمنى وكانت عين الأعور الباقية يمنى كان مخيرا في أن يفقأ عينه أو يأخذ عقله منه ألف دينار، وإن كان الذي فقأ أولا اليسرى لم يكن له إلا عقلها خمسمائة دينار لأنه لا قصاص بينهما، ثم إن فقأ عينه الآخر بعد ذلك لم يكن له إلا القصاص إلا أن يصطلحا على أمر، وليس هو بمنزلة الصحيح يفقأ الأعور عينه فيخير الصحيح بين أن يفقأ عين الأعور أو يأخذ ديتها لأن عينه مثل عينه، وإذا فقأ الصحيح عين الأعور كان الأعور مخيرا عليه في أن يفقأ عينه بعينه أو يأخذ ألف دينار لأنه لا يجد عينا تعدل عينه، قال: وإذا فقأ الأعور عين الصحيح اليمنى ثم فقأ بعد ذلك اليسرى فإنه إن شاء فقأ عينه وأخذ منه ألف دينار عقل عينه التي ترك له أيضا؛ لأن الأعور إذا فقأ عين الصحيح خير في أن يفقأ عينه أو يأخذ عقلها، فانظر في الأعور أبدا، فإذا بدأ بالتي فيها القصاص كان الصحيح مخيرا في أن يفقأ عينه أو أن يأخذ منه عقل عينه التي ترك وإن بدأ باليسرى التي لا قصاص له فيها فإنما عقلها خمسمائة دينار فإن بدأ باليمنى كانت له أَلْفَان ألف التي ترك له من عينه وألف آخر في عقل الآخر؛ لأن الأعور إذا فقأت عينه ففيها ألف دينار.
وإذا فقأ الصحيح العينين، عيني رجل جميعا فإن كان في فَوْر واحد فليس له إلا القود، وليس له من الدية شيء إن أرادها، وإن كان مرة بعد مرة كان له في الأولى القصاص، ولم يكن له غير ذلك إن طلبه من الدية، وكان في الأخرى مخيرا إن شاء اقتص منها، وإن شاء أخذ ديتها ألف دينار، ليس له إلا أن يفقأهما جميعا ولا شيء له، أو يفقأ الأولى ويأخذ ألف دينار أو يأخذ ألف دينار ويدعها إن شاء.
قال محمد بن رشد: اختار ابن القاسم من قولي مالك في الأعور يفقأ عين الصحيح قوله الآخر إن المجني عليه مخير بين أن يفقأ عين الأعور بعينه وبين أن يأخذ دية عين الأعور التي يتركها له ألف دينار، وأخبر أن أحسن ما سمع في ذلك أنه ليس له إلا القصاص من عين الأعور إلا أن يصطلحا على أمر فهي ثلاثة أقوال أحدها قول مالك الأول، أنه مخير بين القصاص وبين أخذ الدية وهو على قياس القول بأن لولي المقتول أن يجبر القاتل على غرم الدية وهو مذهب أشهب وأحد قولي مالك، والقول الثاني أنه مخير بين أن يقتص منه وبين أن يأخذ منه دية العين التي يترك له وهو ألف دينار، وجه هذا القول مراعاة المعنى في إلزام القاتل الدية شاء أو أبى وهو أنه لما ألزمه أن يفدي نفسه من القتل بديتها إذا أراد ولي المقتول أن يأخذها منه ولا يقتله لزمه أن يفدي عينه من القصاص بديتها إذا أراد المجني عليه أن يأخذها منه ولا يقتص منها، ووجه القول الذي أخبر ابن القاسم أنه أحسن ما سمع القياس على أصل مذهبه وروايته من مالك في أنه ليس لولي المقتول أن يجبر القاتل على غرم الدية، وإذا لم يلزمه أن يفدي نفسه من القتل بديتها فأحرى ألا يلزمه أن يفدي عينه من القصاص منها بديتها، فلكل قول من هذه الثلاثة الأقوال وجه حسبما ذكرناه، ثم رجع ابن القاسم أخيرا إلى ما كان اختاره أولا وهو أن يكون الصحيح إذا فقأ الأعور عينه مخيرا بين أن يقتص منه وبين أن يأخذ منه دية العين التي يترك له وهي ألف دينار وإجراء ما ذكرناه من المسائل على قياس ذلك من تلك أنه إذا فقأ عيني الصحيح في غير فور واحد فإن بدأ بالتي فيها القصاص مثل أن يفقأ أولا اليمنى وعينه الباقية هي اليمنى فيكون مخيرا إن شاء أن يقتص من عين الأعور بعينه التي فقأها أولا ويأخذ دية عينه التي فقأها آخرا ألف دينار وإن شاء أن يترك القصاص من عينيه ويأخذ منه ألفي دينار وإن بدأ أولا بالتي لا قصاص فيها لم يكن له إلا خمسمائة دينار في العين التي فقأها أولا إذ لا قصاص فيها ولم يكن له في الثانية إلا القصاص إلا أن يصطلحا على شيء لأنها عين أعور بعين أعور، فلا يجب فيها إلا القصاص كما إذا فقأ الصحيح عين الصحيح لم يجب له إلا القصاص وبالله التوفيق.

.مسألة أصيبت بعض عين رجل فأخذ عقل ما أصيب به منها ثم أتى رجل ففقأ ما بقي:

قال عيسى: وإن أصيبت بعض عين رجل فأخذ عقل ما أصيب به منها ثم أتى رجل ففقأ ما بقي منها وفقأ الأخرى جميعا معا فإنه ينظر فإن كان الذي أصيب من العين أولا يسيرا اقتص من هذا الذي فقأهما جميعا معا فيفقأ عينيه جميعا إن كان عمدا يكون سبيلهما سبيل الصحيح وإن كان خطأ أخذ في الصحيحة خمسمائة دينار وأخذ في الأخرى ما بقي من عقله إن كان الذي أصابها أمر من السماء كان له ألف دينار فيهما جميعا، وإن كان فقأهما مرة بعد مرة فبدأ بالناقصة فقأهما عمدا فإنه يقتص إن كان الذي نقص منها قليلا، فإن كان ذلك كثيرا فلا قصاص فيها، وإنما له قدر ما بقي من العقل، وإن كان خطأ فله ما بقي من عقلها يسيرا كان النقصان أو كثيرا وإذا أصابها أمر من السماء ففيها القصاص إن كان عمدا أو جميع عقلها إن كان خطأ كان الذي نقص منها قليلا أو كثيرا ثم إن أصيبت الأخرى كان سبيلها سبيل عين الأعور في العمد والخطأ، وإن أصيبت الصحيحة أولا ففيها ما في الصحيحة، ثم إن أصيبت الناقصة بعد ذلك عمدا اقتص إن شاء قليلا كان نقصانها أو كثيرا وإن شاء أخذ عقل ما بقي منها على حساب ألف دينار إن كان الذي نقص منها ربعها كان له فيما بقي منها ثلاثة أرباع ألف دينار.
قال محمد بن رشد: رأيت لبعض أهل النظر أنه قال: تلخيص قول عيسى هذا أنه إن أصيبت بعض العين بأمر من السماء ثم أصيب باقيها بجناية ففيها القود إن كان عمدا أو جميع الدية إن كان خطأ كان الذي نقص منها بأمر من السماء يسيرا أو كثيرا، وأما إذا كان الذي نقص منها بجناية ثم أصيبت باقيها فإن كان أصيب باقيها خطأ ففيها باقي عقل العين كان النقصان يسيرا أو كثيرا، وإن كان عمدا ففيه القصاص إن كان النقصان يسيرا وإن كان كثيرا فله ما بقي من العقل وليس هذا التلخيص بصحيح.
وتحصيل القول في هذه المسألة ملخصا أن العين الناقصة إذا أصيبت عمدا فإن كان النقصان منها يسيرا كان فيها القصاص إلا أن يصطلحوا على شيء إلا أن يكون المجني عليه أعور فيكون بالخيار بين أن يقتص وبين أن يأخذ عقل ما بقي بعدما نقص من عينه، إن كان نقص منها الربع كان له ثلاثة أرباع ألف دينار وإن كان كثيرا لم يكن فيها إلا ما بقي من عقلها سواء كان النقصان منها بجناية أو بأمر من السماء، وإنما يفترق ذلك إذا أصيبت خطأ فإن أصيبت خطأ والنقصان فيها بأمر السماء كان فيها جميع الدية كان النقص فيها يسيرا أو كثيرا إلا أن يكون النقصان قد أتى على أكثرها فلا يكون فيها إلا ما بقي من عقلها.
وإن أصيبت خطأ والنقصان فيها بجناية عمدا أو خطأ ففي ذلك ثلاثة أقوال أحدها أن فيها ما بقي من عقلها وهو أحد قولي مالك في المدونة، والثاني فيها أن العقل كامل وهو قول ابن نافع على قياس قولهم في السن إذا اسودت إن فيها العقل كاملا، فإن طرحت بعد ذلك كان فيها العقل أيضا كاملا، والقول الثالث الفرق بين أن يقتص للنقصان إن كان عمدا أو يأخذ له دية إن كان خطأ وبين ألا يقتص لذلك ولا يأخذ له دية، فإن لم يقتص لذلك ولا أخذ له دية كان له العقل كاملا، وإن اقتص لذلك وأخذ له عقلا لم يكن له إلا ما بقي من العقل.

.مسألة العبد يطأ أم ولد ابنه أو أمة له بكرا فنقصها ذلك:

ومن كتاب أوله باع شاة:
وسألته عن العبد يطأ أم ولد ابنه أو أمة له بكرا فنقصها ذلك هل يكون في رقبة العبد من ذلك شيء؟ وما الأمر فيه؟ قال: أرى أن يدرأ عنه الحد وتكون قيمة أم ولد ابنه في رقبته لأنه قد حرمها عليه فتعتق أم الولد على سيدها ويخير العبد في أن يفتكه بقيمة أم الولد أو يسلمه فيعتق على الولد والبكر كذلك، فإن قال قائل فإنا نتهمه أن يكون إنما فعل ذلك ليكون عبدا لابنه فيعتق عليه فليس كذلك، أرأيت لو جدع آذانهم أو قطع أيديهم ألم يكن ذلك في رقبته وتعتق على الابن إن أسلمه سيده، فكذلك ما سرق من مال ابنه أو حرَّمه عليه فهو في رقبته؛ لأنه بلغني عن بعض من أرضى به من أهل العلم أنه قال في الرجل يطأ أم ولد ابنه إنه يغرم قيمتها لابنه وتعتق على ابنه لأنه لا يستطيع وطئها ويدرأ عنه الحد، والحر والعبد في ذلك بمنزلة واحدة، وكذلك من سرق من مال ابنه الحر لم يقطع يده، وكان ذلك في رقبته، فهذا يدلك على الوطئ، قال ابن القاسم: ولو كان وطئ أمة لابنه ليست بكرا لم يكن في رقبته من ذلك شيء، ولو كانت بكرا فنقصها الافتضاض كان ذلك في رقبته.
قال محمد بن رشد: قوله إن العبد يعتق على ابنه الحر إذا أسلم إليه في جناية عليه في بدنه أو فيما استهلك من ماله أو حرمه عليه بالوطء من أمهات أولاده وإمائه، هو مثل ما مضى من قوله في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى من كتاب الديات حسبما بيناه هناك من وجه قوله، وهو صحيح لأنه إنما يأخذه إذا أسلمه إليه سيده باختياره، ولو شاء لم يأخذه وتركه وأسقط التبعة عنه في جنايته إذ لا يلزم سيده أن يفتكه فإذا أخذه وجب أن يعتق عليه بمنزلة إذا اشتراه، وإن قلت إنه يجب له بنفس جنايته عليه إلا أن يشاء سيده أن يفتكه منه كان أبين لوجوب عتقه عليه إلا أن ذلك لا يصح أن يقال، إذ لو قيل ذلك لوجب أن يعتق عليه بنفس جنايته عليه وألا يكون لسيده أن يفتكه منه بجنايته ولما لم يكن مالكا له بنفس الجناية إلا أن يسلمه إليه سيده وارتفعت التهمة عنه بجنايته على ابنه ولم يكن كالقاتل الذي يقتل وارثه فيتهم أنه إنما قتله ليرثه لأن الميراث يجب له بالموت فاتهم فيه ومنع إياه.
وأما قوله لو وطئ أمة لابنه ليست بكرا لم يكن في رقبته إلا ما نقصها الافتضاض ففيه اختلاف؛ لأنه قد حرمها عليه، فقال إن له أن يحبس كل واحدة منهما ولا يحل له، ويكون ما نقص البكر منهما في رقبته وإن شاء. ألزمه قيمة كل واحدة منهما وكان ذلك في رقبته وبالله التوفيق.

.مسألة يتصدق بالأمة الحامل ويتصدق بجنينها على آخر فتجني قبل أن تضع:

وسئل عن الرجل يتصدق بالأمة الحامل يتصدق برقبتها على رجل ويتصدق بجنينها على آخر فتجني قبل أن تضع، قال ابن القاسم يخير الذي له الرقبة فإن فداها كان الجنين إذا وضعته للمتصدق عليه به، ولا يغرم من الجناية شيئا، وإن أسلمها كانت الأمة وجنينها للمجني عليه، وليس لصاحب الجنين قليل ولا كثير قلت: فإن قال صاحب الجنين إذا أسلمها الذي له الرقبة أنا أفتكها أيكون ذلك له؟ قال عيسى: أرى ذلك له، قلت لابن القاسم أرأيت لو لم تجن الأمة على أحد ولحق الذي له رقبتها دين قبل أن تضع أتباع في دينه ويذهب حق صاحب الجنين؟ قال ابن القاسم: لا تباع في دينه حتى تضع، قلت أرأيت لو أن صاحب الجنين أعتقه ثم جنت على رجل قبل أن تضع كيف يصنع بجنينها إذ لو أعتقت الأم والجنين في بطنها لم يعتق، ثم جنت على رجل قبل أن تضع، قال ابن القاسم أما إذا أعتقت الأمة فإن الجناية تكون دينا عليها تتبع به ويأخذ صاحب الجنين جنينه إذا وضعت وليس لصاحب الجرح فيه شيء، وأما إذا أعتق الجنين والأمة على حالها فجنت قبل أن تضع، قال أصبغ إن كان الجنين إنما صار لصاحبه بعطية من رب الرقبة فأرى إسلامه الأم إسلاما للجنين بمنزلة أن لو أعتقها بطل الجنين وكان حرا ولو افتداها رب الرقبة كان لصاحبه ولم يكن عليه في الجرح شيء وأما إذا كان الجنين صار لربه من عند غير صاحب الرقبة مثل أن يهب لرجل رقبتها ولآخر جنينها قسم الجرح عليها وعلى جنينها، فجنينها منها العشر فيفتدي رب الرقبة بتسعة أعشار الدية ويفتدي صاحب الجنين بعشر قيمة أمه لا بعشر الدية؛ لأنه لو طرح كان على طارحه مثل ذلك.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية في الذي يتصدق بأمته الحامل على رجل وبجنينها الذي في بطنها على رجل فتجني جناية قبل أن تضع إن الذي له الرقبة يخير بين أن يفتكها أو يسلمها، فإن أسلمها بطلت الصدقة بالجنين وكان للمجني عليه، هو على قياس قوله بأنه إذا أعتق صاحب الرقبة الأمة كانت حرة وما في بطنها وبطلت الصدقة بالجنين، وقد اختلف قوله في ذلك، فمرة قال هذا، ومرة قال يعتق الجنين بعتقها ويغرم صاحب الرقبة للآخر قيمة الولد يوم يخرج إن خرج حيا، وإن خرج ميتا فلا شيء له، فيأتي على قياس هذا القول أنه إن أسلم الرقبة في الجناية كان الولد للمجني عليه إن خرج حيا وغرم صاحب الرقبة قيمته يوم يخرج للمتصدق عليه، ومرة قال: عتقه موقوف حتى يخرج الجنين فيأخذه المتصدق به عليه وينفذ العتق حينئذ، وهو اختيار محمد بن المواز على هذا القول يأتي قوله في هذه الرواية إنها إذا أعتقت والجنين في بطنها لم يعتق ثم جنت على رجل قبل أن تضع فإن الجناية تكون دينا عليها تتبع به ويأخذ صاحب الجنين جنينه إذا وضعته إذ لا يصح أن تبتل حريتها ويكون ما في بطنها رقيقا للمتصدق به عليه فمعنى قوله أن يكون عتقه موقوفا حتى تضع فيأخذ صاحب الجنين جنينه وتبتل حينئذ حريتها، وتتبع بالجناية دينا ثابتا في ذمتها أو بما بقي منها إن استوفى بعضها من إجارتها في مدة حملها لأنها على هذا القول كالمعتقة إلى أجل فيأتي على قياس هذا القول أن يستأنى بها إذا جنت حتى تضع، فيأخذ صاحب الجنين جنينه ويخير صاحب الرقبة حينئذ بين افتكاكها بالجناية وإسلامها فيها، فقول أصبغ إن الجناية مفضوضة على الرقبة وعلى الجنين قول رابع في المسألة، وكذلك اختلف قول ابن القاسم أيضا هل يباع في دين صاحب الرقبة قبل الوضع أم لا؟ فمرة قال إنها لا تباع في دينه حتى تضع فيأخذ صاحب الجنين جنينه، وهو قوله في هذه الرواية واختيار محمد بن المواز على ما اختاره من أن عتقه موقوف، ومرة قال إنها تباع في دين صاحب الرقبة بما في بطنها كما كانت تباع على سيدها الأول، وهو الذي يأتي على قياس قوله: إن ما في بطنها يعتق بعتقها وإن جنينها يكون للمجني عليه إن أسلمت إليه، فكان القياس أن ينتظر بها في الجناية حتى تضع كما ينتظر بها في الدين حتى تضع، ووجه التفرقة بين بيعها في الدين قبل أن تضع، وإسلامها في الجناية قبل أن تضع هو أن الجناية متعلقة برقبتها، والدين ليس بمتعلق برقبتها وإنما هو في ذمة سيدها، ولو تأخر النظر فيها حتى تضع لكان الولد لصاحبه لا تلحقه الجناية، ويخير صاحب الأم فإما فداها أو أسلمها وحدها، وهذا الخلاف كله إنما هو إذا صار الجنين لصاحب الجنين من غير صاحب الرقبة، وأما إذا صار إليه من عند صاحب الرقبة مثل أن يهب الرجل جنين أمته لرجل فلا اختلاف في أنها إذا جنت يخير صاحب الرقبة بين أن يسلمها بجنايتها فتبطل الهبة في الجنين بذلك، كما أنه لا اختلاف في أنه إن اعتقها سيدها بعد أن وهب جنينها لرجل يعتق ما في بطنها بعتقها وتبطل الهبة في الجنين، ولم يجب في هذه الرواية إذا أعتق صاحب الجنين الجنين فجنت قبل أن تضع، والجواب في ذلك أن الأمر يكون فيه كما لو لم يعتقه، إذ لا عتق لصاحب الجنين في الجنين قبل أن يوضع، وكذلك قال في كتاب ابن المواز، واختلف قول ابن القاسم وأشهب إذا أوصى الرجل بعتق جنين أمته وهي تخرج من الثلث فأعتق الورثة الأم فقال ابن القاسم عتق الميت أولى ولا الولد له، وقال أشهب عتق الورثة أولى ولا الولد والأم لهم، وقول أشهب أظهر إذ لم يختلفوا في أنها إذا أوصى بجنينها لرجل والثلث يحملها فأعتق الورثة الأم أن الوصية بالجنين تبطل وبالله التوفيق.

.مسألة أخدم عبده رجلا كذا وكذا ثم مرجعه إلى فلان بتلا فجرح العبد رجلا:

ومن كتاب العتق:
قال: وسألته عن رجل أخدم عبده رجلا كذا وكذا ثم مرجعه إلى فلان بتلا فجرح العبد رجلا أو جرح، قال قد اختلف عن مالك في هذه المسألة، فأما رأيي والذي أستحسن فإني أرى دية جراحه وقتله لسيده الأول، وليس لصاحب المرجع شيء، وإنما هو عندي بمنزلة ما لو قال هو حر بعد خدمة فلان، فأرى عقل جراحه لسيده، وقد ذكر عن مالك أنه ليس للسيد الذي بتل له وجعل له المرجع، والقول الأول أحب إليّ أن يكون ذلك للسيد الأول وإن جنى العبد جناية خير المخدم في أن يفتكه ويختدمه، فإن أفتكه اختدمه إلى الأجل الذي له فيه الخدمة ثم أسلمه إلى صاحب البتل، ولم يكن لصاحب الخدمة على الذي بتل له شيء مما أفتكه به من الجناية؛ لأنه إنما طلب الفضل والزيادة التي رجا في الخدمة، ولأنه لو أسلمه كان المبتول له مخيرا فإن أفتكه كانت خدمته له، وإن أسلمه كان المبتول له مخيرا إن أحب أن يفتديه ويكون عبدا له فذلك له، وإن أحب أن يسلمه فذلك له.
قال محمد بن رشد: اختلاف قول مالك في جرح العبد وميراثه إذا مات وقيمته لمن تكون إذا أخدمه سيده رجلا مدة ما ثم جعل مرجع رقبته لغيره، هل يكون لسيده الذي أخدمه أو للذي إليه مرجع الرقبة اختلاف مشهور، وقد تقدم في سماع أصبغ من كتاب الخدمة، وعليه يأتي الاختلاف في مسألة العتق من سماع عيسى من كتاب الخدمة في الذي يخدم عبده فلانا سنة ثم هو لفلان وعليه دين هل يباع عليه في الدين قبل انقضاء السنة أم لا؟ وفي مسألة أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس في الذي يحبس الحبس على رجل فيقول هو لك حياتي ثم هو في سبيل الله هل يكون إذا مات في ثلثه أم ينفذ من رأس ماله حسبما مضى القول فيه مستوفى في الموضعين فلا معنى لإعادته، وأما إذا جنى جناية قبل أن ينقضي أجل الخدمة وتصير لصاحب الرقبة ففي ذلك ثلاثة أقوال، أحدها أن الحق في الافتكاك لصاحب الخدمة من أجل أنه هو المقدم بها على صاحب الرقبة الذي المرجع إليه، وهو المبدأ بالتخيير وهو قوله في هذه الرواية، والقول الثاني أن الحق في ذلك لصاحب الرقبة الذي المرجع إليه إلا أنه يبدأ صاحب الخدمة بالتخيير من أجل أنه هو المقدم بها على صاحب الرقبة، فإن أفتكه على هذا القول واختدمه لم يكن لصاحب الرقبة إليه سبيل حتى يدفع إليه ما أفتكه به، والقول الثالث الحق في ذلك لصاحب الرقبة الذي المرجع إليه وهو المبدأ بالتخيير، وقد مضى بيان هذا كله وشرحه في رسم البراءة من سماع عيسى من كتاب الخدمة فلا معنى لإعادته.